مشكلة سكانية تهدد مستقبل كوريا الجنوبية

تعيش كوريا الجنوبية مشكلة سكانية محيرة في ظل تنامي معدلات الشيخوخة بسرعة، وتراجع معدلات المواليد، وعزوف الشباب عن الزواج.

فعندما تشهد دولة تحولا اقتصاديا فإن تأثير هذا التحول لا يكون على المستوى المالي فحسب، بل ينعكس ويؤثر بشدة على التركيبة السكانية.

وهذا ما شهدته كوريا الجنوبية خلال ثلاثة أجيال ماضية على درب التطور، مثلها مثل بعض الدول الأخرى، نظرا للتقدم الصناعي السريع.

ويبلغ حجم الاقتصاد الكوري الجنوبي حاليا 1.6 تريليون دولار، وتعد رابع أكبر اقتصاد في آسيا بعد الصين واليابان والهند، وقد تغيرت أحوال البلاد اقتصاديا على نحو كان له مبلغ الأثر على سكانها، مما أدى إلى مشكلة سكانية حقيقية.

وتعد البلاد مثالا لما يسميه خبراء علم السكان بـ”التحول الديمغرافي”، وهي مرحلة تتميز بالتضخم السكاني، والتراجع ثم الاستقرار النهائي الذي يحدث عندما تصبح الدول أكثر ثراء.

ويعني ذلك بالنسبة لكوريا الجنوبية تسجيل زيادة كبيرة وسريعة في عدد المسنين، وانخفاض معدلات الزواج والمواليد بما لا يعوض بطريقة كافية الأجيال التي تتوفى، الأمر الذي يشكل معضلة حقيقية لمستقبل الأمة.

تعاني كوريا الجنوبية من أدنى معدلات الخصوبة في العالم، إذ يسجل متوسط معدل الخصوبة في البلاد 1.1 طفلا لكل امرأة، أي أقل من أي بلد في العالم. (وللمقارنة، يبلغ المعدل العالمي نحو 2.5).

ويسجل المعدل تراجعا على نحو مستمر، فخلال الفترة بين أوائل خمسينيات القرن الماضي حتى الآن، تراجع معدل الخصوبة في كوريا الجنوبية من 5.6 إلى 1.1 طفلا لكل امرأة.

كيف يؤثر ذلك على مستقبل سكان البلاد؟

يعد ذلك في واقع الأمر لغزا سكانيا محيرا بالنسبة لمجتمع يشيخ بسرعة كبيرة، والسبب في ذلك هو عامل رئيسي في الاستقرار السكاني يطلق عليه “معدل الإحلال”، حين يعادل عدد المواليد من الأطفال عدد وفيات الجيل الأكبر سنا.

ويسجل هذا العدد في شتى أرجاء العالم 2.1 طفلا، وهذا يعني أن معدلات الخصوبة في كوريا الجنوبية لا تصل إلى معدل الإحلال، بعبارة أخرى، لا تنجب النساء في كوريا الجنوبية عددا كافيا من الأطفال لتحقيق الاستقرار السكاني بدون الهجرة.

لا تختار نساء كوريا الجنوبية في الواقع إنجاب عدد أقل من الأطفال، فبعضهن يخترن الابتعاد عن العلاقات العاطفية بالكامل، بينما يختار الكثير منهن عدم الزواج على الإطلاق، والعزوف عن أي علاقات زواج قانونية أو حتى علاقات عارضة، في سبيل الحصول على حياة مستقلة ووظائف في مجتمع قد يميز بين الجنسين على الرغم من التقدم الاقتصادي.

ويعد هذا التغير جزءا من ظاهرة اجتماعية متنامية في كوريا الجنوبية يطلق عليها “جيل السامبو”، وكلمة “سامبو” تعني التخلي عن ثلاثة أشياء: العلاقات والزواج والأطفال.

وتعكس الإحصائيات تغيرا غير مسبوق في الثقافة، فمعدلات الزواج بين الكوريين الجنوبيين، الذين هم في سن إنجاب الأطفال من كلا الجنسين الرجال والنساء، تراجعت خلال العقود الأربعة أو الخمسة الماضية.

ويشير إحصاء في عام 2015 إلى أن أقل من ربع نساء كوريا الجنوبية ممن تتراوح أعمارهن بين 25-29 عاما (23 في المئة) متزوجات، وهي نسبة تراجعت بشدة مقارنة بالنسبة المسجلة عام 1970 وهي 90 في المئة.

Leave a comment